الدكتور خالد أحمد الحاج يكتب… (لا لخطاب الكراهية) “١”
تحبير
د.خالد أحمد الحاج
استحقت جامعة إفريقيا العالمية التقدير والإشادة وهي تبادر بتناول واحدة من أكثر الظواهر تعقيدا ألا وهي ظاهرة تنامي خطاب الكراهية على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الوسائط الاتصالية الأخرى بصورة لم يسبق لها مثيل، بهذا التفكير المتقدم، والإعداد المتميز، تستحق هذه الجامعة الرائدة أرفع الأوسمة من الدولة لما ظلت تقدمه من مبادرات هادفة، خالص التهاني لكلية الإعلام وهي تتبنى في مؤتمرها الإعلامي الأول:(خطاب الكراهية التحديات والحلول)، يحمد لهذا المؤتمر أن هناك اتفاق ولنقل إجماع عام عليه، عطفا على تفشي هذا الخطاب بصورة تدعو حقيقة للقلق، في ظل ظروف صعبة لم تشهد لها البلاد مثيلا في الوقت القريب.
وإن كانت هناك عدة أسباب أدت لانتشار هذا الخطاب بهذه الطريقة، اختيار هذا التوقيت لقيام المؤتمر والبلاد تحتفل بمرور ٦٧ عاما على الاستقلال بمثابة تنبيه للدولة لتدارك الخطر الناتج عن خطاب الكراهية، لا يمكن للبلد أن تتجاوز أزمتها الحالية دون أن ترسي مبادئ الحسنى فيما بينها، ولا يمكن تجاوز هذه العثرة دون إذكاء قيم الوعي، وتعزيز ثقافة التعايش السلمي، وقبول الآخر، بعيدا عن أي من أشكال التمييز التي تزيد الضغينة، وتفشي الكراهية، ويقع على عاتق مؤسسات التعليم العالي دور التوعية والتبصير بخطورة مظاهر الكراهية قولا وفعلا، ورفع معدل ثقافة التسامح، بإعمال الفكر الراجح، والرأي السديد الذي يدفع بالمجتمع للأخذ به.
وتكمن خطورة هذا الخطاب في كونه يكرس لأفعال لاحقة قد تقود إلى ما لا تحمد عاقبته.
* ما يجب أن يقال إن هذا الخطاب قد ألقى بظلال سالبة ليس على مستوى السودان فحسب، بل طال العديد من دول العالم، ما يدعو لاتخاذ ما يلزم من الضوابط والإجراءات حتى يحجم هذا الخطاب.
قبل الخوض في موضوع المؤتمر، أقول إن حسن الإعداد والترتيب المحكم للمؤتمر قد زاده ألقا على الرونق الذي مثله الحضور، بمختلف مشاربهم المعرفية والخدمية والإعلامية والمجتمعية.
* اللفتة البارعة التي وقفت عندها متأملا هي إيلاء أمر إدارة الجلسة الافتتاحية لأستاذنا العلامة الخطيب المفوه، والعالم الفذ أ.د.علي محمد شمو متعه الله بالصحة والعافية، ذلكم العلم الذي لا يحتاج مني أن أقول عنه سوى أن ذات العمق في التناول والطرح، وذات الدلالات التي ظل متعلقا بها هي التي منحت الجلسة الافتتاحية هذا الرونق.
ومما استوقفني أيضا واستحق أن أفرد له جانبا مشاركة الدبلوماسي الحصيف د.خالد موسى دفع الله رئيس الإدارة الأوروبية بوزارة الخارجية في جلسة اليوم الأول بورقة قيمة، تميزت بتعميق العديد من القيم الأنسانية، والمبادئ التي وجدت عظيم الاهتمام من قبل المشرع، والأمم المتحدة هي المنظومة التي يقع على عاتقها وضع ومتابعة تنفيذ القوانين والتشريعات التي تجرم الأفعال المحرمة على المستوى الدولي والتي من ضمنها موضوع هذا المؤتمر، وقد ظهرت من خلال الورقة ملامح د.خالد موسى الأكاديمية مشفوعة برؤية دبلوماسية عميقة في بنائها، وهذا ما ظللنا ننادي به لإحداث تقارب بين متطلبات الحياة المتجددة، وعلم الاتصال الذي تجاوز إطاره التقليدي إلى أبعد من ذلك بكثير، والفعل الدبلوماسي ليس ببعيد عن المجال الإعلامي.
قدرة المعارف والعلوم على ردم الهوة، وخلق توافق بين كيانات مختلفة هو ما نحتاج إليه في هذا التوقيت بالذات، من واقع الاضطراب الذي عليه العالم اليوم، وحالة الغليان الناتجة عن عدم تفهم الأنظمة الحاكمة لحاجات شعوبها، وعدم قدرتها على تفسير الاستفهامات التي تدور برؤوس العديد من فئات المجتمع، علاوة على افتقاد الآليات والأساليب التي تلجم كل من تحدثه نفسه بإثارة الكراهية، أيا كانت عنصرية، أو لها علاقة بالنوع، أو ذات صلة بدين ما، أو فكر ما، أو ذات صلة بأقلية، أو بغيرها من الأنماط التي يمكن أن تدرج تحت هذه الطائلة إن جاز التعبير.
وتكمن قوة المؤتمر بحسب ما أرى في المشاركات المتنوعة لعدد مقدر من الجامعات فيه، باعتبار أن هذه المشاركات تكسبه القوة المطلوبة، بما تحدثه من حراك من خلال تنويع الموضوعات، ورؤى هذه المدارس البحثية المختلفة.
ما ألفت له الانتباه ضرورة أن تجد مخرجات هذا المؤتمر حظها من الواقع المعيش، لا أن توضع في الأرفف مع سابقاتها، من واقع التأثيرات السالبة لهذا الخطاب على المجتمع، ودونكم الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، والذي يحتاج بالفعل لإعمال الفكر وصولا إلى صيغة متوافق عليها، تخرجنا من هذا النفق المظلم.
خطاب الكراهية بالرغم من كثرة المفاهيم التي تمت الإشارة لها في الأسانيد والمراجع، بيد أني أضيف إلى ذلك..(أنه لا يعدو أن يكون سوى خطاب منبوذ، وغير مرغوب فيه، لأنه يكرس لما فيه ضرر المجتمع الموجه له، وما قد يترتب عليه من خلل بنيوي، أو اعتقادي، وما ينتج عنه من تسطيح فكري الغرض منه إثارة البلبلة وسط المجتمعات التي تحتاج إلى عمل مضن، وتفكير متصل لتثبيت قناعات الخير والإصلاح والعفو).
ويختلف هذا الخطاب باختلاف مقاصده، وقد تتشابه مقاصده في بعض الأحيان، مراكز صناعة القرار، والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات الدولة ذات الصلة كلها معنية بالمقام الأول بمخرجات هذا المؤتمر.
وبمثل ما شكلت وزارة الخارجية السودانية حضورا كنت على توقع بتمثيل لمجلس الوزراء والسفارات الموجودة بالخرطوم ولو كان تمثيلا نوعيا.
التحديات كثيرة، والتعقيدات أكثر، وباب الأمل رغما عن كل ذلك ما يزال مفتوحا أمام الحلول، إن جدت وسائل الإعلام في تحجيم هذا الخطاب، وعملت وزارة الاتصالات على تبني حملة تبصير واسعة للمواطنين بضرورة ضبط خطابهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لكي لا تقع الفأس على الرأس، وللحديث بقية.