العميد معاش إبراهيم عقيل مادبو يكتب… (إستسهال القتل في السودان “٢”.. فوضى الغرائز)
كتب العميد معاش / إبراهيم عقيل مادبو
المتتبع للأحداث الأخيرة والمتلاحقة بشأن تفاقم ظواهر ما يعرف بتسعة طويلة، وعصابات الِنقُرز، وإستفحال أعمال الفوضى والتخريب والنهب تحت تهديد السلاح، والتفلتات والخروقات الأمنية المتكررة، وتفشي تجارة المخدرات، يجد أن هناك رابط خفي يوجه الأمور نحو بلوغ نقطة “فقدان الثقة بين المواطن والقانون”، وصولاً إلى درجة تفتيت المجتمع وإضعاف الدولة، وهذا يحتم إنتهاج سياسة صارمة، وخطة ومقاربات حاسمة، ونظرية جديدة حيال هذه الأفعال، وجعل مرتكبيها يدركون أن أي مجابهة مع القانون ستكون دائماً “باهظة الثمن” وأنها ستؤدي إلى الخسارة حتماً، وبحيث تصبح هذه النظرية نظاماً متكاملاً في ذاته تعمل من خلاله قوات الشرطة والأمن لتحقيق *«الروع»* والذي يعني حمل المتفلتين، وعصابات النهب والنقرز، والجرائم المنظمة، على الإحجام على القيام بخرق القانون، من خلال إبراز “مخاطر أكبر وزناً من الكسب الذي يجنونه من السرقة والنهب والتفلت”، حتى ولو إستدعى الأمر مهاجمة هذه العصابات والجناة في قواعدهم وداخل أوكارهم على نطاق واسع، من خلال العمل المتزامن لجميع وحدات الشرطة بمدن العاصمة الثلاث، وذلك لخلق حالة عقلية لدى المتفلتين والمجرمين، تتمثل في التهديد وإظهار قدرة الشرطة على الوصول إليهم وجلبهم وإخضاعهم للعدالة والعقاب أمام محاكم طوارئ إيجازية، وكشف ومعرفة من يقف خلفهم ويدعمهم لتحقيق أجندته وأغراضه، وهذا يتطلب وجود إرادة سياسية قوية لحفظ أمن البلاد والعباد وتأمين الفترة الإنتقالية، وأن تقوم الشرطة بإعادة العمل بنظام الكبسولات داخل الإحياء مع التركيز على الدوريات المتحركة والإرتكازات الثابتة، وبنظام توزيع جديد يغطي الأحياء غير الآمنة أو التي تتواجد بقربها بؤر التفلت.
لقد فشلت كل الحلول الأمنية السابقة وكل الإجراءات الوقائية والحملات المنعية والكشفية والاطواف الليلية، بسبب أننا قد تعودنا في السودان على العمل بدون منهجية وبمفهوم خاطئ يجعل “الإستراتيجيات تتبع التكتيكات”، وهذا خطأ كبير، فالتكتيك وسيلة من وسائل تطبيق الإستراتيجية، وبمعنى أخر يجب أن نعكس الصورة، بحيث ندع التكتيكي يتبع الإستراتيجي لا العكس، فالصحيح هو أن “الإستراتيجية هي التي تختار التكتيكات”، وتوجه تقدم التكتيك لتمكنه من القيام بدوره للوصول إلى النتيجة الحاسمة والمرجوة، وهذا ما نريده ونطمح إليه في أن يتم التطبيق السليم في كل الحالات حتى تلك المرتبطة بأعمال القوات المشتركة لتأمين العاصمة والأقاليم، وبخاصة دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، فإنتهاج الإستراتيجيات الصحيحة والمداومة والمباداة من المبادئ التي تحقق الأهداف.
إن ما يحدث الآن بالسودان هو فوضى ستقود إلى فوضى أشد وكوارث كبيرة، خاصة في ظل الدعوات لتسليح المواطنين والتصدي للمجرمين بأيديهم، ولذلك يجب أن يفكر الجميع بعقلية رجال الدولة، وليس بالعواطف والإندفاع والإنطباعية وردود الأفعال، فإذا عجزت الشرطة عن القيام بمهامها يتم تدخل الجيش وفق تخويل قانوني وبموجب أوامر عمليات الأمن الداخلي، *مع وضع قواعد اشتباك جديدة ومستحدثة تتناسب والموقف الماثل*، وإذا ثبت أن هناك موانع تحول دون تدخل الجيش، يتم وضع خطط بديلة لإيقاف السيولة الأمنية، ومثال ذلك يمكن اعتبار كل ثمانية أو عشرة أحياء متجاورة كقطاع واحد واختيار عناصر من سكان كل قطاع لديهم أسلحة مرخصة، ومعروفين بالاسم والاوراق الثبوتية ويزودون بباتش او علامة على الكتف أو الصدر ويكونوا داخل القطاع تحت أشراف فرد أمن مزود بأجهزة إتصال ومرتبطاً بغرفة العمليات الشرطية، ويمكن أن يتوزع المواطنين في شكل دورية أو في موقع ثابت او أن يكونوا متواجدين داخل مساكنهم ويتحركون عند حدوث شئ، أما اذا تركنا الحبل على الغارب للمواطنين بدون تنظيم، فسنشهد مزيد من الفوضى والحوادث، وقد نصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها ويصبح حالنا أشبه بوقائع الفيلم الأمريكي (The Purge) أو التطهير، والذي يدور حول مفهوم التطهير وتصفية وقتل المتفلتين، وهذا سيؤدي بلا شك إلى فتح الباب أمام الإضطرابات ودخول أصحاب الأجندات السياسية والمصالح المريبة، وإتاحة وتهيئة الفرصة للتدخلات الخارجية، ونشوب الفوضى الخلاقة التي ينتظرها أعداء البلاد وما أكثرهم.