عثمان كندة كربوس يكتب… الديمقراطية العلمانية.. ما بين طرد نقد وحضور فليب غبوش ١٩٦٥ـ١٩٦٨م “١”
بقلم: عثمان كندة كربوس
في سعينا الدؤوب لبناء دولة ديمقراطية ليبرالية علمانية حديثة لابد لنا من إستدعاء التاريخ و استلهام الدروس و العبر و التجارب حتى يعلم قومي أن المهمة التي تقع على عاتق مشاعل التنوير والتثقيف والتغيير مهمة شاقة و عسيرة ومعقدة . والتاريخ يحفظ ما بين 15 نوفمبر 1965م اليوم الذي أجازت فيه الجمعية التأسيسية مقترح تكليف الحكومة بإعداد مشروع قانون حل الحزب الشيوعي السوداني الذي مهد الطريق لطرد نواب الحزب الشيوعي من الجمعية التأسيسية في 16 ديسمبر من نفس العام تحت ضغط جماعة الهوس الديني التي مارست ضغطا رهيبا على الحكومة المنتخبة آنذاك ، حيث كان هتاف الجماهير خارج الجمعية التأسيسية ( أقلعوا الكفار .. أقلعوا الكفار ) ،حيث لم تتورع القوى الرجعية بالزج بمفردات مثل الإلحاد والفجور والعقيدة والشرف في مسعاها الخبيث للوصول إلى أهدافها بممارسة ديمقراطية . فقد تلا النائب عبدالرحمن أحمد عديل مقترحا بإسمه وإسم زملائه عبد الله الطيب جدو و مضوي محمد أحمد وعبد القادر اوكير ومحمد يوسف محمد ومحمد كرار كجر ، ستة نواب قدموا مقترحا لحل الحزب الشيوعي وحمل المقترح بشعور المريب حرصا على الديمقراطية المدعاة ، ( إن من رأي الجمعية التأسيسية و بالنسبة للأحداث التي جرت اخيرا في العاصمة والأقاليم وبالنسبة لتجربة الحكم الديمقراطي في البلاد والتهديدات التي تواجه نموه وتطوره ،إنه من رأي الجمعية التأسيسية أن تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني ويحرم بموجبه قيام أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخرى تنطوي مبادئها على الإلحاد و الإستهتار بمعتقدات الناس او ممارسة الأساليب الدكتاتورية ) انتهى ، يا الهول من مفردات هذا المقترح و تدليسه و تضليله و تغبيشه و توقيته الذي يجسد مبكرا عقلية الجماعة المسيسة للدين في منتصف الستينيات ، وقد تساءل النائب صالح محمود إسماعيل مشككا في دستورية هذا المقترح فأجاب رئيس الجمعية التأسيسية آنذاك مبارك الفاضل شداد بأن الإقتراح دستوري ويمكن لمن يرى غير ذلك أن يلجأ للقضاء.
خرج محمد إبراهيم نقد طريدا من الجمعية التأسيسية في 16 ديسمبر 1965 في أسود يوم للممارسة الديمقراطية و المفجع أيضا أن رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي قد رفض الخضوع لقرار القضاء ببطلان قرار حل الحزب الشيوعي ، هذه هي ديمقراطية المركز التي ذبحت الحزب الشيوعي السوداني تحت سندان الاغلبيه داخل قبة الجمعية التأسيسية فما بالك بشعوب الهامش العريض في جبال النوبة ودارفور وجنوب النيل الأزرق الذي يحمل رؤى وتصورات لإدارة شكل الدولة لاسيما ونحن الآن نعيش في حرب ١٥ أبريل 2023 هذه الحرب الوجودية ولن نوصفها بالعبثية.