عثمان كندة كربوس يكتب… الديموقراطية العلمانية ما بين طرد نقد وحضور فليب غبوش ١٩٦٥م – ١٩٦٨م “٢”

 

كتب : عثمان كندة كربوس

الثابت أن الدولة لا يمكنها القيام بوظائفها المتمثلة في توزيع الثروة والسلطة و تحقيق الرفاه الإقتصادي والإستقرار السياسي و تحقيق العدالة الإجتماعية القائمة على الإعتراف و الإحترام المتبادل بين المكونات البشرية والإجتماعية والسياسية والدينية واللغوية والثقافية للدولة السودانية إلا عبر القانون و ذلك لا يتأتى إلا من خلال دستور دائم يكون نتاجا لعملية صناعة الدستور التي تبدأ عبر المائدة المستديرة و تتسم بسمات الشفافية و التشاركية و الشمول من حيث الأطراف والموضوعات و إلزامية تضمين مقترحات و تصورات الهامش العريض كالعلمانية والحفاظ على حقوق الاقليات كمبادئ دستورية عليا تثبت كقاعدة ملزمة لا يمكن تعديلها أو مخالفتها إلا بقواعد جديدة تكون لها نفس القوة لتجنيب البلاد شرور التقسيم و التشظي .

في ظل هذه الأوضاع و الممارسات المتوارثة من النخب على مر الحقب والعهود والأنظمة الوطنية ومتلازمة الحلقة الشريرة المتمثلة في ثورة يعقبها حكم ديمقراطي غير مستقر بسبب متاريس الحكم الشمولي العسكري و تعود الكرة إلى دوامة الإنقلابات العسكرية و من هنا لابد من الإشارة و بوضوح لسارقي الثورات المركز النخبوي المهرولين إلي السلطة ولا يهمهم معالجة الإختلالات التاريخية التي نتجت في ظل الحكم الإستعماري و توارثها اللاحقين وظلوا هم على الدوام في صراع حول السلطة نفسها أنظروا ١٩٥٨م _ ١٩٦٤ م صراع حزب الأمة و الحزب الإتحادي ، وفي ١٩٨٥م الأمة و الاتحادي الديمقراطي ، و ما بين ٢٠١٩ – ٢٠٢١م أربعة أحزاب ظلت مسيطرة دون أية سندا جماهيريا و تم إمتطاء سرج الثورية مجددا والجديد في عهد ثورة ديسمبر المجيدة ظهور حزب نخبوي صفوي مركزي مثل حزب المؤتمر السوداني الذي تكون في ١٩٨٦م ، و المبكي والأمر هذه المرة تسنمه و تكويشه لأكبر كوته في حكومة الثورة المختطفة على حساب ثالث أكبر حزب سياسي من حيث الأصوات ١٩٨٦م ألا وهو الحزب القومي السوداني مما مهد الطريق لعودة الحركة الإسلامية مجددا عبر إنقلابها المشؤوم في العام ٢٠٢١م لأن أية إنتقال سلمي ديمقراطي لا تحرسه قوى إجتماعية واسعة حتما سيتهاوى.

خدمات كبيرة يقدمها المركز لأحزاب النخبة والمؤسسة التقليدية على الصعيد السياسي والإعلامي والقانوني فقليل من السودانيين يذكرون الأب فيليب عباس غبوش فهو بحق أبو العدالة الإجتماعية السودانية منذ بواكير تكوين الدولة السودانية فالرجل الذي أسقط مشروع الدستور الإسلامي ١٩٦٨ م في مرحلة القراءة الثانية و أثناء مداولات اللجنة القومية للدستور الدائم والذي بادر بسؤال الدكتور حسن الترابي حول أحقية غير المسلم في تولي منصب رئيس الجمهورية في ظل حكم الشريعة الإسلامية ونقدم لكم مضابط الحوار:_
السيد موسى المبارك جاء في مذكرة اللجنة القومية للدستور نبذه حول الدستور الإسلامي في صفحة “٧” ان يكون رأس الدولة مسلما ، اود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الإشتراك في ترشيح هذا الرئيس؟
السيد حسن الترابي:- ليس هناك ما يمنع غير المسلمين في أن يشتركوا في إنتخاب الرئيس المسلم فالدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين و هنا يجب أن نتوقف على تعريف المواطنة فهو تعريف إجتماعي و يسمى على هذا الأساس مواطنا حيث يتساوى جميع المواطنين في الحقوق والواجبات غير أن هذه المواطنة لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل دولة ديمقراطية ليبرالية علمانية
أسقط فليب غبوش مشروع الدستور الإسلامي بمقولته المشهورة ” الدين لله والوطن للجميع” والتي أصبحت السبب الرئيس في التنكيل بشعب جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق عقب إستيلاء نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م على السلطة عبر الإنقلاب الشهير . العلمانية قضية جوهرية حيث لا يمكن إستخدام الدين لإبادة الشعوب للدرجة التي أعلن فيها الجهاد على النوبة و فتواها الشهيرة في مدينة الأبيض في العام ١٩٩٢م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى