إستمرار الحرب الروسية الأوكرانية سيقود إلي ظهور قوى جديدة أم هيمنة أمريكية
تقرير :عبد القادر جاز
طال أمد عمر الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها السالبة على تدفقات المعونات للقارة الأفريقية في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها بعض دول القارة، ومدى تأثير هذه الحرب على وحدة وتماسك الاتحاد الأوروبي وعلى اقتصادياته؟ من المرجح أن يكون لهذه الحرب اللعينة دور في تجديد ظهور حركات مناوئة للأنظمة الأوروبية والجماعات الإرهابية المتطرفة.. إلى أي مدى يمكن أن يؤثر استمرار الحرب في خلخلة الأنظمة الأوروبية ما يقود إلى ازدياد الهجرات غير الشرعية والهيمنة الأمريكية من واقع إضعافها لروسيا أم نتوقع ظهور قوى جديدة تغير في الديمغرافية الأوروبية…
*فاتورة الحرب :*
قال الأستاذ محمد علي كيلاني مدير مركز دراسات رصد الصراعات في الساحل الأفريقي إن تأثير الحرب الأوكرانية على تدفق القمح للقارة الأفريقية مرتبط بالشرط الروسي بأن لا يتبع موقف هذه الدول إلى الغرب إزاء تلك الحرب، مبيناً بأن هذه الرؤية ستتضح من خلال القمة الروسية الروسية المزمع انعقادها عما قريب، مشيراً في هذا الخصوص إلى تدفقات المساعدات الروسية العسكرية إلى عدد من البلدان الأفريقية من بينها دول مالي وأفريقيا الوسطى، مؤكدا أن دولة مالي خطيت بدعم عسكري روسي وبتسليح الجيش المالي لمواجهة الإرهابيين عقب انسحاب القوات الفرنسية من مهمة التكليف لمحاربة الإرهاب بتلك المنطقة، ولفت إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ستواجه تناقضا كبيراً مع الأزمة الأوكرانية نسبة لارتباطها بمصالح اقتصادية كبيرة مع روسيا المتمثلة في الغاز والقمح والنفظ وبرامج تكنولجية متطورة تتعلق بصناعة الطائرات والأقمار الاصطناعية وغيرها، مستطرداً بقوله: عندما حظرت روسيا بعض المواد الأساسية حدث ارتفاع كبير للأسعار في أوروبا، منوها أن استمرار الحرب تسبب في قلق لدى الشعوب الأوروبية والتي ستدفع فاتورة هذه الحرب من خزينتها.
*تأثيرات دمغرافية :*
أكد كيلاني أن اليسار الأوروبي بات أكثر تطرفا من ذي قبل ودعوته الصريحة للخروج من التحالفات الداخلية والخارجية لإبعاد الأجانب من الديار الأوروبية بصورة واضحة المعالم، منوها بأن محاولة الانقلاب الأخير في ألمانيا من قبل اليسار المتطرف قد تشكل بادرة غير جيدة في إطار المعطيات الجديدة التي طرأت، مؤكدا عمليا أن الحرب الأوكرانية أحدثت تحولا كبيرا في شكل خارطة أوكرانيا الديمغرافية، مرجحا أنه يصعب على اللاجئين الأوكرانيين العودة القريبة إلى ديارهم وتعميرها لإحداث تغيير جذري لما دمرته الحرب، مضيفاً كالعادة مثل هذه الحروب ستكون لها تأثيرات دمغرافية، وصفها بأنها أشبه بتفاعلات حرب كوسوفو على حسب تعبيره.
*الشكوك والضعف :*
أكد البروفيسور أحمد عبد الدايم محمد حسين أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة والمحلل السياسي في العلاقات الدولية بأن غالبية الدول الأفريقية تعاني من قلة المعونات وشكواها الدائمة من تأثير هذه الحرب وتداعياتها على شعوبهم بصورة واضحة، معتبراً أن هذه الحرب قد تسببت في إحداث أزمة غذاء كبرى خاصة أن ثلثي القمح والذرة الذين تستوردهما أفريقيا من روسيا وأوكرانيا والمعونات القادمة لأفريقيا لسد النقص فى الغذاء لا تعوض، المطالب الحقيقية لتلك الدول على حسب تعبيره.
أقر عبد الدايم بأن الكيفية التي يتعامل بها الاتحاد الأوروبي مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية مختلفة عن أى معالجات أخرى باعتبار أنه يقدم مساعدات لسد الثغرات التى تعاني منها بعض الدول الأوروبية لكن فى حدود المعقول، قائلاً بالرغم من ذلك تظهر إشكاليات كبيرة فى توحيد كافة القرارات حول هذه الحرب والمساعدات العسكرية لأوكرانيا أو حتى فى طبيعة التعامل مع روسيا في حد ذاتها، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي استطاع حتى اللحظة معالجة الكثير من الأزمات الناتجة عن هذه الحرب، مشيراً إلى أن امتداد أمد الحرب ودخولها في فترة الشتاء قد أثر فى نواحى كثيرة، منبها إلى أنه قد أثارت هذه الحرب الشكوك حول مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على التماسك، باعتباره منظمة قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المحيطة بها، وأردف بقوله : إن البعض ينظر للاتحاد الأوروبى بأنه لن يتحمل صدمات جديدة بعد خروج بريطانيا منه، حيث جنحت دول أخرى للاستقلال عنه، مما يهدد وجوده من الأساس، مؤكداً أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن عوامل الضعف التى يمكن لها أن تضرب في تماسك الاتحاد الأوروبي وتطيح بوحدته وترجع أوروبا إلى ظروف ما بين الحربين العالميتين.
*تداعيات الحرب :*
قال عبد الدايم إنه بطبيعة الحال لعبت الحرب الروسية الأوكرانية دورا كبيرا في تجديد ظهور حركات رافضة للوجود الأوروبي فى أفريقيا، على سبيل المثال: هناك رفض للوجود الفرنسى فى غرب أفريقيا ووسطها، مما جعلها تسحب قواتها من تلك المناطق خصوصا منطقة الساحل والصحراء، مرجحا وفق هذه المؤشرات أن الحرب قد أتاحت نشاطا فاعلا للجماعات الإرهابية المتطرفة فى تلك المنطقة، مضيفاً أنه على إثر الأزمة الغذائية جعلت الحالة فى أفريقيا أشد جوعا وفقرا فى مختلف نواحيها، مشيراً في هذا الخصوص إلى أن الجماعات تجند آلاف الأفريقيين نتيجة لاستغلال الفراغ الذى تركته عودة القوات الروسية من بعض المناطق التي كانت تساند فيها الأنظمة الأفريقية الموجودة بعد رحيل القوات الفرنسية عن المنطقة، وأضاف قائلا: بهذا قد تسببت تداعيات هذه الحرب فى تفعيل الجماعات الإرهابية، وضعف الأنظمة المحلية فى مقاومة نشاطها.
*ضعف الأنظمة :*
أكد عبد الدايم أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية سيؤثر في ضعف الأنظمة الأوروبية وفى كيفية مراقبة حدودها وعدم سيطرتها على شواطئها المتوسطية، ما يقود إلى ازدياد الهجرات غير الشرعية في المرحلة المقبلة، مبينا أن هذه الحرب بالتأكيد تاثيراتها واضحة على الشعوب الأفريقية التي ستؤدي إلى الأزمات الداخلية خاصة فى المناطق عديمة الاستقرار، التى تعاني من الفقر والمجاعات والكوارث الطبيعية، مشيراً إلى أن هذا يساعد فى زيادة عمليات النزوح الجماعي، والضغط الشديد باتجاه الهجرة نحو أوروبا أملا فى مستقبل أفضل هناك.
*الهيمنة والتغلغل:*
توقع عبد الدايم استمرار الحرب يقود إلى هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على أوروبا، وإضعاف روسيا وإغراقها فى الأزمات الاقتصادية لزيادة الانفاق على الحرب، مرجحا أنه على المستوى الاستراتيجى فإن طول أمد الحرب سيزيد من تغلغل الروس والصين فى أفريقيا، موضحاً أن الأمر الذى قد تسبب فى انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية فى ديسمبر الماضي، وتخصيص حوالى (٥٥) مليار دولارا أمريكيا لأفريقيا زيادة على تخصيص حوالى (١٥) مليار دولارا عاجلة لزيادة الاستثمارات الأمريكية فى أفريقيا، فضلاً عن زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية لعدد من الدول الأفريقية ردا على زيارة وزير الخارجية الصيني لخمس دول أفريقية، معتبراً أن ذلك سيزيد من حدة التنافس الأمريكى الصيني على أفريقيا على حد تعبيره.
وأشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية تقود إلى ظهور قوى جديدة على المستوى العالمي وتبرز عالما متعدد الأقطاب، فضلا على أنها ستحدث تغييرا ديموغرافيا فى أوروبا، وتوقع ازدياد أعداد النازحين الأوكرانيين نحو الدول الأوروبية يومياً، بجانب اعداد المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا مما سيحدث ضغوطا اقتصادية وأمنية على الأنظمة الأوروبية.