تمرد نهر الرهد.. ما بين العطاء والمعاناة
القضارف : عبد الطيف خلف الله
أربعة ساعات وتزيد قليلا هو الزمن الذى قطعناه ونحن نتجه صوب منطقة باندغيو بالقلابات الغربية تقلنا سيارة ذات دفع رباعي فى موسم خريف فريد من نوعه فى كل شئ تفاصيله امطار مسائية ورزاز صباحى تشتم ريحة الطين الوحل فى الطرقات والبارحات ، تشاهد العفرت عند صياح الديك ونفس الصباح وتتلبد السماء بالغيوم لاترى سوى زخات المطر التى تحجبك عن الرؤية ذات الأبعاد الثلاثية ، هكذا تبدو الصورة لعدة ايام تحكى لونية الخريف وليله الباكى المخيف والناس يقطنون الاكواخ لترتسم المخاوف والتوجس والحيطة والحذر مما هو قادم بالرغم من تباشير الخير فى شق الغيث الثانى لتختفى كلمة المطر حينا عند العطاء .
الوقت عند العصارى عندما تعود الطيور لاوكارها وهى تحمل الزاد بطانا ، خرجنا وكلنا يرسم ملمح المكان وتصور ما لحق بإنسان المنطقة الذى ألف النهر والفه احبه فزاده عطاء ماء متدفقا وخضرة طول العام يعيش حياته مقرونة بجيرانه ، لايعرف الخصام والعدواة بل يعيش الحياة حبا ومحبة والفة يأتيهم عندما تأتى ام بشار ليصادف ذلك موسم الخريف فتصبح الحياة عندهم عيدا بمقدمه ، ولكن هذه المرة لم يكن كما كان ( فما كلفة البدر المنير قديمة ولكنها فى وجهه من اثر اللطم ) جاء معاتبا ليخرج عن طوره متمردا على حياة ألفها ، خرج عن المألوف فجاء هايجا ومعاتبا ، لماذا هذا الجفاء والغلظة ؟ أحب زائد أم هنالك صوت لوم !! لكن سرعان ما عاد ليهتدى إلى صوابه لكن يبقى الأثر باقيا إلى حين ليصافح الجميع بدمعات تظل حينا من الوقت لتحكى الجفوة والتصافح فى ان واحد فمن أصلح وعفا فاجره على الله ؛؛ .
جاء الجميع يحمل التحنان وعيناه تدمعان حزنا لما لحق باحباب العمر ، نعم جاءوا من كل حدب وصوب يتنادون لنصرة بعضهم فمنهم من حمل الطعام ومنهم جاء بالماء ليعيش هذه الحياة احياء للقيم الانسانية التى يتحلى بها انسان السودان ، جافهم حبيب الأمس لكنها سنة ماضية فى الحياة ما دامت باقية فالكل هنا لا يعرف من هم الضيف والمستضيف فكلهم يواسي الاخر ، (٢٣) قرية جميعهم فى وسويعات أصبحوا بلا مأوى ولا زاد بل انهم خرجوا من ديارهم مرغمين ليواجهوا قساواة الحياة فما حمل أحدهم متاعه والزاد جاءوا يحملون النفس التى بين جنبيهم يقينا منهم انها المضغة للعبادة فيزيد الإيمان إيمانا .. وجدناهم وهم يفترشون الطين ويلتحفون السماء الباكية لتزداد المعاناة ليكون الاختبار الحقيقى من رب العزة فكان الإيمان قويا يقابلونك ولسانهم يلهج بالشكر والثناء لله عز وجل .
تجمعوا للايواء فى المدراس والمرافق الحكومية ليجدوا الملاذ الذى يحميهم من المطر المنهمر وصدا للنهر الذى تمرد هذا العام ، دخلناها ليلا نتحسس الموقع الأمن لكن الكل هنا ينتظر اللحظة فجاءوا بنا إلى ركن رشيد فالاسر هنا تستضيف السكان الذين فقدوا المأوى مشاطرة منهم جاءوا من كل المجتمعات يحملون الزاد والكساء ملبين النداء ان اغدوا على اهليكم فكانت الاستجابة السريعة ..
راينا بأم أعيننا كيف كانت المعاناة انهم أطفال ونساء فقدوا المأوى والغذاء والكساء ما بين ليلة وضحها فاصبحوا بلا مأوى ينتظرون رحمة السماء من قبل المستخلفين من العباد ، وكطبيعية اهل السودان فكانت النجدة ومد يد العون احقاقا وتطبيقا لرسالة السماء فى التكافل والتراحم ، لم يقتصر التداعى والتنادى بأهل المنطقة بل كانت حكومة الولاية بكل أجهزتها ومنظماتها برئاسة الوالى واعضاء حكومته ولجنة الطوارئ التى سخرت كل إمكاناتها لصالح الأسر المتضررة بتسيير القوافل ودعوة الحكومة المركزية والمنظمات الدولية لدعم كل المتاثرين من هذه السيول ، بل كانوا حضورا يقتسمون الوجع والالام .