عودة مولانا الميرغني ما بين ترجيح الكفة.. وإستكمال الحلقات لإنهاء الأزمة السودانية….!

تقرير: عبد القادر جاز

منذ استقلال البلاد ظل الحال على ما هو عليه، بدليل تمرحل الأزمات المتراكمة والتي لم يتعاف منها الوطن إلى يومنا هذا، من الممكن أن يكون ذلك مربوطا بالقيادات السياسية التاريخية، أم أن تدخلات أطراف خارجية في المشهد هو السبب في تطاول أمد الأزمة ؟ بالنظر إلى واقع الأحزاب السياسية بعد رحيل مؤسسيها تاركين فراغا واسعا، هل يرجع ذلك إلى ضعف في البنية التنظيمية؟ كيف تقرأ عودة مولانا محمد عثمان الميرغني بعد ازدياد الأزمات واستفحالها والتي أثرت على النسيج الاجتماعي السوداني، وبالامكان إعادة الأمور إلى نصابها لوضع حد للصراعات والتقاطعات ما بين المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير وحركات الكفاح.

الحكمة المفقودة

أوضح الأستاذ بابكر ميرغني الماحي الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بولاية القضارف أن مولانا محمد عثمان الميرغني عرف عبر تاريخه السياسي الطويل بالقدرة على إدارة الخلافات السياسية بدارية وحكمة، ومثل هذه المواقف تتطلب التعامل مع مثل هذه المسائل بحكمة، معتبراً أن هذه الحكمة من المفقودات في المواقف السياسية المتباينة للقوى السياسية على مستوى المشهد المعقد، مبيناً أن عودة مولانا الميرغني ستعيد ترتيب الأوضاع الداخلية على مستوى الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ولم الشمل تفاديا للتفلتات والتنازعات التي تطفح على السطح، مؤكدا أن مولانا الميرغني سيحدث اختراقا كبيرا في السعي الحثيث إلى توحيد القوى السياسية والانتصار لإرادة الشارع وثورة ديسمبر المجيدة.

الولاءات المجتمعية

أوضح بابكر أن الأحزاب السياسية السودانية اعتمدت عبر تاريخها الممتد على الولاءات المجتمعية وعضويتها لم تأت ببرنامج حزبي مقنع تتوافق عليه، ناهيك عن برنامج انتخابي يخدم المصلحة العامة، معتبراً أن مثل هذه المسائل أحدثت تأثيرا سلبيا على مسيرة الأحزاب السياسية وقدرتها على استقطاب قوى حديثة، مبيناً أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من السكان، وقناعاتهم بأن الأحزاب السياسية بالضرورة تأتي ببرنامج حزبي يلبي طموحات وتطلعات تحقق شعارات التي خرجوا من أجلها، دعا إلى أهمية جلوس الأحزاب السياسية لقراءة المشهد السياسي الراهن بعين فاحصة من أجل تصميم برامج سياسية تتوافق مع التحولات والمتغيرات المستقبلية.

سدنة النظام الدكتاتوري

أكد الأستاذ عروة الصادق الكاتب والناشط السياسي والقيادي بحزب الأمة القومي والحرية والتغيير أن السودان منذ الاستقلال لم يتعاف من الأزمات المتراكمة المرتبطة ارتباطا وثيقا بفشل النخب السياسية التي تحتاج إلى تبيان باعتبارها ليست متساوية، لافتا إلى أن بعض النخب السياسية أفنت حياتها في خدمة الوطن، وعانت لأجله، وسجنوا وعذبوا وصودرت ممتلكاتهم ولم يتولوا أمر الحكم إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة لترسيخ النظام الديمقراطي، منوها إلى أن البعض الآخر لعب دور السدنة في كل نظام دكتاتوري، وهيأوا للطغاة الأفكار المتطرفة يمينا ويسارا وبايعهم بعضهم الشموليين وقدموهم رؤساء، وزوروا لهم الانتخابات، مضيفا بالقول إنه من غير المنصف المساواة بين النخب والأحزاب السياسية، وتطبيق معيار واحد عليهم جميعا، باعتبار أن الأحكام مختلفة.

التركة والتصفير

قال عروة بدون أدنى شك هناك محاور إقليمية ودولية تريد التدخل في شؤون السودان بصورة استعمارية مباشرة أو بصورة استعمالية عبر عملاء وأجهزة وأحزاب وعناصر فاسدة ونخب (مرخرخة)، مؤكدا أن هؤلاء منهم من أتى مع الجيوش الغازية، ومنهم من كان جنديا في الأورطة السودانية التي أبادت السودانيين في كرري وساعدت الاستعمار وصولا إلى عهد الرئيس المخلوع في آخر أيامه عند ذهابه إلى روسيا بطلب الدعم والحماية والقوة الدولية لتتدخل بصورة خبيثة والتي استجلبت لنا عصابة فاجنر، مضيفا أن غالبية القيادات السياسية التاريخية مضت إلى سبيلها، ولكن لا زال السوء المضمر يستدعي أبناءه، سواء كانوا يعملون لمصالحهم الذاتية، أو لأجهزة إقليمية، أو دولية، مضيفا أن حقيقة النصيب الأوفر من عوامل تردي السودان هو الأنظمة الدكتاتورية التي أورثت البلاد تركة ثقيلة من الديون جملتها (64) مليار دولار، مشيرا إلى أن الحكومة الانتقالية سعت سعيا حثيثا إلى تصفير عداد هذه الديون، مرجحا أن بعض النخب التي أدخلت السودان في قوائم الإرهاب ما زالت تحاول إرجاعنا لذلك المربع.

الانتقال والسنة الكونية

أقر عروة أن الانتقال والرحيل والمرض وعجز قادة القوى السياسية هو أمر حتمي، وسنة كونية تقابلها عدة إجراءات تتمثل في أن هنالك قوى سياسية مثلث القيادة بالنسبة لها الحزب، مضيفا إذ صار الحزب هو القيادة، متى ما حضرت حضر ، ومتى ما غابت غاب، معتبرا أن مثل هذه القوى تتأثر برحيل، أو مرض قياداتها، فصار بعضها سجينا في آرائه الفكرية منذ الحرب العالمية الثانية، ووصف هؤلاء بمجموعة من الأربعينيات كانت مفرقة لقيادة الأحزاب الراديكالية اليسارية التي لم تجدد أطروحاتها التي تتجاوز القيود الماركسية، بجانب آراء أيديولوجية منذ الثمانينيات لم يعكف أتباعها على تجديدها باعتبار أن قائلها من دعاة التجديد أمثال محمود محمد طه، والذين ظلوا حبيسي المدرسة الطهوية، وأردف بقوله: إن هناك قفزات فكرية لم تستوعبها عناصر التنظيم فتحولوا من فرط المحاكاة والتقليد إلى طريقة، أو طائفة، أو نحلة، بعيدا عن الحزب السياسي البرامجي الذي يستوجب التحديث، وهذا ما وقعت فيه معظم الجماعات الإخوانية والسلفية، فصار الشعبيون (الطريقة الترابية)، والإخوان (الطريقة الماجدية)، وكذلك أتباع الشيخ الهدية، كاشفا عن قوى سياسية ادعت الحداثة وأتت بقيادات جديدة لكنهم تقمصوا أحزابهم وارتدوها أقمصة، متى ما ذهبوا منها ضعف أداؤها، ومتى ما غابوا عنها اختفت عن الخارطة، على سبيل المثال: تيارات جديدة منشقة من الحزب الشيوعي (كحق الجديدة، حق الحديثة)، وتيارات كثيرة من الحركات المسلحة، وجماعات الضغط التي تم إنشاؤها في فترات متأخرة من عمر الإنقاذ مثل:(قرفنا، التغيير الديمقراطي، شرارة، وغيرها).

خيبة التوقعات

أكد عروة أن عودة الميرغني لم تأت بالجديد، ولن تعد على المواطن بفائدة، تضخيم الآلة الإعلامية الداخلية والخارجية كعودة المخلص، قائلا خير دليل على أن العودة لم تكن بالحجم المرجو منه حديث الميرغني في المؤتمر الصحفي الذي لم يتجاوز دقيقة واحدة لرجل غاب وظل يحمل في جعبته الكثير، لكنه خيب التوقعات بكل الاعتبارات، مبينا أن أزمات البيوت الكبيرة هي أمر تاريخي متوارث في السودان خاصة في البيوت الدينية ولعل السنة الهابيلية لأبناء آدم عليه السلام هي المتوارثة، منبها مهما اشتدت الخلافات يظل الدم والرحم أقوى أواصر الوصل بين البشر، ولا يفوقها إلا وشيجة الدين والانتماء التي تعزز هذه الأواصر، ولا تقطعها، مضيفا أن الخلاف السياسي في المواقف لا ينعكس على آصرة الرحم، معلوم أن ثلاثة أشياء ذكرهن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الكفر والإيمان فيهن سواء، إحداهن الرحم، مؤكدا أنه في مثل بيت دين كبير بهذا الحجم متوقع أن يتدخل المغرضون للتحريض والتخريب والوقيعة فيفرقون بين الأب وبنيه، وبين المرء وزوجه، ولفت إلى أن هنالك من يسعون إلى الخير ويجتهدون لبذل المساعي الحميدة لوصل الحبال المقطوعة، وتوقع أن يحدث مثل ذلك لما لمسناه من تنازل وتعقل كبير للحسن الميرغني في بيانه.

الإحماء والاستقواء

قال عروة إن العودة من منظورها السياسي هي خطوة كل قارئ حصيف يرى كيف تم الترتيب لها، وكيف خطط لها، ومن أين ومتى، ولماذا:؟ والنتائج ظهرت جلية من خلال لافتات تريد الاحتماء والاستقواء بالميرغني منذ توقيع ما سمي بتكوين الكتلة الديمقراطية، ومن قبله مبادرة الجد، وتحركات العسكر لاستمالة حزب كبير وترويضه بعد أن عجزوا عن تقاسم حزب الأمة القومي بين الدعم السريع والجيش، واستعصى عليهم وراثته بعد رحيل رئيسه الصادق المهدي عليه الرضوان، مستطردا بقوله: إن الميرغني ومستشاريه سيجدون موجة عالية من حلفاء الطريقة الحتمية ومناصحات غالية من قيادات الحزب بالداخل، ستجعله يتراجع عن الكثير من الأفكار الاستبدادية كمحاولة إبقاء العسكر في السلطة، أي محاولة لترجيح كفة موازين القوى لصالح كتلة من الكتل عبر استمالة الحزب الاتحادي الأصل، ومجموعة الحركات المسلحة لصالح دفة العسكر، هو أمر سيغرق البلاد، ويخلط الأوراق السياسية، مؤكدا أن ذلك سيعقد المشهد أكثر مما هو عليه، وسيكلف البلاد دما وعرقا ودموعا وأموالا وعلاقات مع دول صديقة وشقيقة وستزيد وتيرة التصعيد الشعبي المنادي بالحرية والسلام والعدالة.

الهيمنة والزوال:

اعترف الأستاذ بكري خضر أبو رنات رئيس تجمع الوطنيين الأحرار أن مشاكل البلاد متراكمة ومعقدة وتنعدم فيها الإرادة الوطنية وهيمنة الأحزاب على إدارة التنظيمات والتدخلات الخارجية لتنفيذ الأجندة بأيادي داخلية، مؤكدا أن أجندة المحاور هي التي تهيمن على المشهد، وتتحكم في إدارة البلاد، وشدد على ضرورة التخلص من هيمنتها، وعمالة كودار بعض الأحزاب حتى يتعافى الوطن من جراحه ويخرج من أزماته إلى بر الأمان،
مؤكدا أن أغلب التنظيمات السياسية بنيت على أشخاص، وارتبطت بهم بعيدا عن الأفكار التي بني على أساسها الحزب، مشيرا إلى أنه بهذا الخصوص سيتعرض الحزب إلى التشظي بعد وفاة مؤسسيه، ويزول عن الخارطة السياسية كذوبان الثلج في الماء، ووجه إلى ضرورة السعي إلى تكوين أحزاب سياسية تبنى على فكرة متجددة ومتطورة تساهم في معالجة الاختلالات والتقاطعات السياسية على المستوى القومي والإقليمي والدولي.

تغيير الموازين

قال أبو رنات إن عودة مولانا الميرغني ضرورية في هذه المرحلة التي تقتضي ذلك، ورغم أنها أتت متأخرة، خير من أن لا تأتي، متوقعا لعودة الميرغني أن تغير الموازين على حسب تجاربه السياسية، وخبرته التي تساهم في غلب الموازين في المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، مبينا أن عودة الميرغني سيكون لها دور كبير في إحداث أثر إيجابي في المشهد القادم والأيام حبلى بالكثير على حد تعبيره، مرجحا أنه لا يظن في مثل هذه الظروف والمتغيرات الحالية ألا يستطيع الميرغني تغيير رأي من مجموع آراء الأطراف المتنازعة، وتوقع أن يقرب وجهات النظر، ويكلل جهده بالنجاح على سبيل المثال: اتفاقية مشهورة مع الراحل د.قرنق دي مبيور المشهورة باتفاقية الميرغني قرنق، والتي كان لها دور كبير في الاتفاق ومبادرة السلام السودانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى