إسماعيل تيسو يكتب.. حدود المنطق “استهداف الكباشي ومناوي”.. مخاوف من تراجع القيم
*حــدود المنطق*
*استهداف الكباشي ومناوي،** *مخاوف من تراجع القيم*
*إسماعيل جبريل تيسو*
المروءة والشهامة والنخوة والأمانة والطيبة والجـود، وغيرها كثير، هي قيمٌ ظلت تميـِّز الإنسان السوداني، وتضرب بعيداً في جذوره المستمِدة أصولها من الأخلاق الكريمة والمباديء العظيمة، حتى صار ( الزول) مضرب مثل في كل ما يتصل بالمواقف النبيلة التي تحكي عن المعني الحقيقي لمعدن الإنسان السوداني ( الراجل )، مقنع الكاشفات، ( أخو البنات ) ( مالي هدومو) شموخاً وعـزةً وكبرياء.
وخلاف المواقف الاجتماعية، فإن الإنسان السوداني هو معلّم الشعوب في كيفية التعاطي في الشأن السياسي ورفض الظلم والضيم وتجبر وتسلط الحاكمين، ويحكي لسان التأريخ عن الكثير من الثورات الصاخبة والانتفاضات الغاضبة التي أذهلت العالم قبل أن تطيح بعتاة الحُكّام ممن تسلطوا وطغوا وبغوا وعاثوا في الأرض فسادا واستبداداً، حتى أصبحت الكثير من الشعوب في محيطنا الإقليمي تتمثل بالشعب السوداني، في وقت يتوجس فيه حُكّامها منه خيفةً ورهبة.
يا له من فخرٍ بقيمٍ ظلت راسخة في وجدان الكثير من شعوب العالم عن الشعب السوداني، ويا لخوفي من غدٍ تشرق فيه الشمس فلا نجد لهذه القيم والمباديء مكاناً في خارطة السودان، وفي وجدان شعب السودان! ذلك أن بريق الكثير من هذه القيم بدأ يخبو في ظل الفوضى التي تضرب بأطنابها في كل مناحي الحياة في السودان، فسوء الاقتصاد، وتراجع السياسة، لا يمثل مثقال ذرة أمام انهيار القيم وفساد الأخلاق التي باتت تجد لها حيزاً كبيراً في أرضية الواقع السوداني.
لقد طالعنا بالأمس تقريراً طبياً ضجّت به الأسافير ومنصات التواصل الاجتماعي يشخِّص الحالة الصحية لعضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، ويزعم بإصابته بسرطان القولون، وحسناً فعلت القوات المسلحة بأن سارعت وأوضحت أن التقرير الطبي مفبرك ولا يمت إلى الواقع بصلة، وأن عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي بصحة جيدة ويمارس مهامه، فأخرس توضيح القوات المسلحة كل الألسن وقطع دابـر الفتنة والبلبلة التي كانت تمشي بين البعض.
قطعاً إن الإصابة بالأمراض إنما هي ابتلاءات يسوقها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، ولكن ما يؤسف له حقاً أن تكون الأمراض والابتلاءات مصدر شماتة واحتفاء وسخرية البعض، هل في هذا السلوك خصومة سياسية؟، أم هي محاولة مع سبق الإصرار والترصد لشيطنة وقتل الشخصية؟ مهما كان غرض من قام بتسريب التقرير المفبرك ومن احتفوا بزعم إصابة الفريق شمس الدين كباشي بداء السرطان، فإن هذا السلوك مرفوض تماماً لانه لا يشبه أخلاق السودانيين ولا يتسق مع أصالتنا وقيمنا السمحة، بل ويتنافي تماماً مع تعاليمنا الدينية ( لاتشمت في أخيك فيعافيه الله ويبتليك).
إن الذين يعرفون الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عن قرب، يتحدثون عن إنسانية الرجل، وشهامته ورجولته وحبه لفعل الخيرات، وتكفله بإعالة الكثير من الأسر المتعففة التي تدعو له ليل نهار بألا يصيبه مكروه، أو يتعرَّض لأذى، ولعل ذلك ما جعل التقرير المفبرك والمضروب يتنزّل برداً وسلاماً على الفريق كباشي الذي عرف قـدره في دمـوع الكثيرين واتصالات المشفقين من داخل وخارج السودان، فربَّ ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
وما حدث للفريق الكباشي بالأمس، كان قد حدث الأسبوع المنصرم لحاكم إقليم دارفور، رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي في حادثة الفيلم الإباحي، ليخرج مناوي بنفسه ويعلن للملأ أنه فيلم مفبـرك وأن الأمر لا يعـدو سـٍوى محاولة يائسة لقتل الشخصية، وإقعـاد مسيرته والنيل من طموحات الرجل وتطلعاته ونجوميته التي برزت بشكل لافت خلال الفترة الانتقالية، فحصد مناوي تضامناً كبيراً حتى من خصومه السياسيين، لينقلب بذلك السحر على الساحر.
إن ضمير الواجب يملي علينا أن ننبذ بعض المظاهر السلبية والدخيلة على مجتمعنا السوداني والمتنافية مع قيمنا وتعاليمنا الدينية السمحة، فالتسامح سمة تميزنا دون غيرنا، واختلاف الرأي لا يفسد قضايا الود بيننا، وقد شهدت بذلك قاعات التفاوض في نيفاشا وأبوجا وأديس أبابا وجوبا، كيف تعانق الفرقاء السودانيون وبذلوا الدموع مدرارة عندما التقوا في باحات الفنادق بعد سنوات قضوها في الجبال والأحراش والأدغال يحاربون بعضهم البعض، فأدهشوا بهذه المواقف الأصيلة عيون الوسطاء والمسهلين الذين انبهروا وضربوا كفاً بكف.
من جديد دعونا نعاود إدهاش العالم، ونغتنم ما تبقى من زمن من عمر الفترة الانتقالية التي جاءت كمولود شرعي لثورةٍ تضافرت فيها جهود متراكمة لإحداث التغيير المنشود، دعونا نمضي بالثورة إلى غاياتها، ونحقق رغبة وطموح وتطلع من ضحوا بأرواحهم ودمائهم فداءاً لهذه الثورة المجيدة، دعونا نعلي من قيم التصافي والتعافي ونبذ الشيطنة وقتل الشخصية والالتفات إلى الوطن المأزوم والمواطن المكلوم، وفي ذلك هدفٌ لو تعلمون عظيم.