الحزب القومي السوداني… نضالات تاريخية.. وتهميش من الحرية والتغيير.. القفز من سفينة “تقدم” الغارقة”

 

مداد الغبش
عبد الوهاب أزرق

التاريخ السياسي السوداني وتفاعل الأحزاب السياسية مع مطالب الشعب لم تعبر عنها الأحزاب والقوى السياسية صراحة عبر السنوات لترضي رغبات المواطن في العيش الكريم وصناعة السلام الدائم ، ووقوفها مع قضايا شعبها الحقيقية والبوح بمشاكله التاريخية في نقص كل الخدمات ، والأحزاب التقليدية والعشائرية أنكفات على نفسها وحصرت خدماتها داخل بيوتات معينة مما خلق غبنا تاريخيا للشرائح التي لم تحظ بالتنمية المستدامة في كافة المجالات . وضع شكل واقعا جديدا بقيام اتحادات مناطقية تحولت بعدها إلى أحزاب تنادي بإنصاف شعوبها وبينها الحزب القومي السوداني الذي كان وليد إتحاد عام جبال النوبة.

للحزب القومي السوداني الذي يتبنى العلمانية له إنجازات و أدواره وقاعدته الكبيرة في جنوب كردفان بفرضية أن كل نوابه في البرلمان في ديمقراطية ١٩٨٦م من جنوب كردفان وفاز الأب فيلب عباس غبوش بدائرة الحاج يوسف بالخرطوم على المنافس من الجبهة الإسلامية القومية الأستاذ محمد يوسف محمد . و اسقط ضريبة الدقنية بقيادة الأب فيلب عباس غبوش ، وله قيادات تاريخية ساهمت في نهضة جبال النوبة اشهرهم الأستاذ المرحوم محمود حسيب .

على مراحل تاسيسه وعمله تعرض الحزب القومي السوداني لمؤامرات تاريخية من الحكومات السودانية أبرزها في بداية ثورة الإنقاذ حيث تم التضييق على الحزب في كل مدن السودان مما جعل رئيس الحزب وقتها الأب فيلب عباس غبوش يدعو الأعضاء للإنضمام إلي الحركات المسلحة وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان لحماية افراده من البطش والتنكيل بهم، ويرى بعض أعضاء الحزب أن الجبهة الإسلامية لها ثار قديم لجهة أن الحزب اسقط مشروع الدستور الإسلامي في برلمان ١٩٦٤م.
شارك الحزب بفاعلية في ثورة ديسمبر وكان أعضاءه وقود الثورة لكنهم لم يرضوا عن معاملة حكومة حمدوك الأولى والثانية و مجلس الحرية والتغيير الإقصاء الحزب من المشاركة في الوقت الذي شاركت فيه أحزاب بلا جماهير وقيادات حقيقية في القرارت المصيرية لحكومة الثورة . استشعر اعضاء الحزب القومي السوداني قرب غرق سفينة الحرية والتغيير الغارقة في الفساد في كل المجالات ونادوا بالقفز قبل قرارت البرهان في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م لكن المهندس ريفي سبو العضو السابق للمكتب التنفيذي لقوى إعلان الحرية والتغيير عن الحزب دعا للتريث بالقول ( كيف لنا أن نخرج و قيادات الحرية والتغيير في معتقلات اللجنة الأمنية واضاف هذا موقف غير اخلاقي) وعملت الحرية والتغيير على تهميش الحزب حيث لم يذكر اسم الحزب في الموقع الرسمي للحرية والتغيير ولم يتم تمثيل الاعضاء في هياكل الحكومة الإنتقالية ، عطفا على عدم ذكر الحزب في المحافل الدولية والإقليمية .
رغم النضالات في الثورة اختارت الحرية والتغيير عضوا واحدا في اللجنة المركزية وعضوا واحدا في المكتب التنفيذي وثلاثة أعضاء فقط في اللجان المتخصصة وهي العدالة الانتقالية ، السلام والولايات . وتعرض الحزب لتهميش أكبر من رئيس وزراء حكومة الثورة الأولى والثانية رغم الزيارات التي قام بها الحزب له ، عطفا على تعامل غير اخلاقي من الحرية والتغيير مع أعضاء المكتب السياسي لحضور أحد الاجتماعات .

ومع إندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي وتوزع قيادات الحرية والتغيير على مدن العالم و تجمعهم بقيادة حمدوك متلونين تحت مسمى تحالف القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” تململ قيادات الحزب من الوضع و يرون أنهم نفس الشخصيات بنفس الآراء والافكار الإقصائية للحزب آخذين في البال الخلافات القديمة وعدم وضوح الرؤية والضبابية حول القضايا المصيرية الراهنة وإيقاف الحرب وتوقيع السلام وتمدد الدعم السريع داخل قواعد الحزب بجنوب كردفان أسباب ووقائع كفيلة بأن تجعل الحزب القومي السوداني يلوح بمفارقة “تقدم” التي هي بنفس الفهم القديم في الإقصاء وتهميش الهامش كما أنها تعمل بلا مبادئ وأهداف معلنة لخدمة قضايا الوطن والمواطن المكتوي بالحرب ، ويوجد غباش الرؤية في المواقف كلها جعلت القيادي بالحزب الاستاذ عثمان كندة كربوس يقول “تقدم” هي استنساخ للجنة السودنة في العام ١٩٥٥م والتي تقاسمت بموجبه الذين ورثوا الإستعمار “٧٩٦” وظيفة من جملة “٨٠٠” وظيفة حيث تركوا لكل بقية السودان أربعة وظائف فقط لم ينل منها إقليم جبال النوبة ولا وظيفة واحدة دون المساس بمعياري الكفاءة والنزاهة ، داعيا بأن ينال الحزب القومي السوداني نصيبه كاملا دون نقصان تحت بندي التمييز الإيجابي والمناطق المتأثرة بالحرب ، وزاد الوقت مناسبا للقفز من سفينة “تقدم” الغارقة في وحل السودان القديم . واضاف كربوس “تقدم” الإسم الجديد لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي تحذو حذو لجنة السودنة التي كانت من الأسباب الرئيسية لإندلاع التمرد في عام ١٩٥٥م قبيل الإستقلال وهي تعيد نفس السيناريو .

لعل هذه التصريحات و العبارات كفيلة بأن تفض الشراكة مع ” تقدم” ام هي جس نبض لقياس الهزة الإرتدادية لتقدم من زلزال خروج الحزب القومي السوداني . وقد يريد الحزب القومي السوداني الرجوع و التحالف مع الحلفاء القدامى و الحركات التي فوضها من قبل للحديث عن قضايا جنوب كردفان وله معها تحالفات وإعلان مبادئ ونقصد هنا الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تسيطر على مواقع ومدن كثيرة بجنوب كردفان تقل الحزب الذي ينادي بإنصاف المنطقة من المظالم التاريخية التي تعرضت لها من الحكومات السابقة . ولعل اعتداءات وانتهاكات قوات الدعم السريع التي قامت بها بمدن وقرى جبال النوبة في الدلنج، هبيلا ، التكمة ، التنقل ، والظلطاية ، ووطا بحرق القرى والقتل والنهب والسلب والاسر ونزوح الآلاف من المواطنين وعدم إدانة الحرية والتغيير لكل ذلك ببيان رسمي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وغيرت مسار العلاقة كليا مع “تقدم” . وفي جرائم سابقة بكادقلي للدعم السريع أدان القيادي كربوس من داخل المجلس التشريعي لولاية الخرطوم في إجتماع شهير أحداث كادقلي في العام ٢٠٢٠م التي راح ضحيتها ما يقارب الخمسين شخصا وصمت المجلس المركزي للحرية والتغيير.

هل يعلن الحزب القومي السوداني موقفه النهائي قريبا للقفز من سفينة “تقدم” الغارقة ؟
أم يساعد في انتشالها من الغرق و يكون الربان الماهر في بحر متلاطم الأمواج وهائج على الدوام ، ام تتدارك “تقدم” الموقف بالرضوخ للتهديدات بالأنسحاب حتى لا تفقد حزب من احزابها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى