“أوليفر” و ” أفنان” … المعاناة تولد الإبداع.. والأمهات شموع تحترق
مداد الغبش
عبد الوهاب أزرق
بعض المشاهد و المعاناة المرسومة على جدار الزمن تتمحي مع ضحى وإشراق النجاح ، وسريالية الصور المختزلة في الماضي ، تصبح ذكريات من الأوجاع بعيدة الرؤيا وقت دخول زمن التفوق والمآلات الدافئة ، و تتدفق امواج الفرح و تنصب على ساحل المستقبل القادم ، ويصبح واقع الحال مطرزا بأكاليل من الزغاريد والتهاني و التبريكات العفوية ، وتترسم لوحة إحتفائية تمسح أوجاع ومعاناة مكتوبة في صفحة الواقع والماضي .
قطف ثمار النجاح للطلاب بعد طول مدافرة و مجابدة وصبر و جلد مرده إلي الأسر التي ساهرت و ناضلت و كافحت في ظروف حياتية يحفها الضنك والمسبغة ، أو لأسرة فقدت العائل قبل سنوات ، فأصبحت الأم العائل لتقوم بدورها وزيادة وتنازلتْ عن كل مغريات و مباهج الحياة وزخرفها من أجل رعاية أطفالها الخمسة .
حملت البشريات عن تفوق النابغ أوليفر صلاح نمر أبو عنجة في إمتحان الشهادة السودانية لهذا العام وإحرازه نسبة ٩٧ ليحجز المركز الثامن بين المائة الأوائل على مستوى السودان ، وهو القادم من كردفان الجنوب “جبال النوبة” مناطق أم دورين فارا رفقة أسرته من الحرب وتداعياتها ليقطن أم درمان الفتح الحارة “٣٢” .
النابغ “أوليفر” لقى حظه من الإحتفال و الإحتفاء والتكريم من شخصيات وجهات ومؤسسات ، لأنه نجح و أفرح شعب ورسم البهجة والسرور في الوجوه وارسل رسالة أن المعاناة حقا تولد الإبداع ، و ما عادت شماعة المسبغة والنزوح من مناطق الحرب سببا لعدم النجاح والتفوق .
و”ليس اوليفر وحده كان متفوقا” بنفس معايير الفرح لأوليفر كانت الفرحة بتفوق أفنان عوض أحمد بريك التي أحرزت نسبة ٩٤,٩ % الأولى بمدرسة الخرطوم القديمة النموزجية “الشيخ مصطفى الامين سابقا” ، و ضمن المائة الاوائل . وهي التي فقدت والدها منذ العام ٢٠١٢م لمرض مفاجئ وقاتل . نجاح أحدث كرنفالات من الغبطة والسرور ممزوجا بدموع الفقد الكبير للأسرة القاطنة بحي جبرة رفقة الوالدة شذا دلم علي عابدون المنحدرين من سلالة الأجانق بكردفان .
الأم المثالية “شذا ” فاح عطرها في الأسرة أستطاعت أن تقوم بمقام الأب والأم وتعمل بشرطة السجون والإصلاح في العام ٢٠١٦م ، بعد وفاة زوجها و وصلت الآن لرتبة وكيل عريف وهي الحاصلة على الدبلوم في الدعوة والإعلام ، تأمل أن تُرفع إلي رقيب فني .
تحملت *شذا* ظروف الحياة وضغوطاتها وهي أم لخمسة أطفال زغب صغار ، و”أفنان” ثالثتهم في الترتيب ورثت جينات التفوق وتميزت ، مما جعل عشيرة المندل عدلان تحتفل بها والطلاب والطالبات المتفوقين بدار الشرطة ببري رفقة الدكتور لطفي نايل كرمين السبت الماضي .
تقول ” شذا ” قامت أفنان هادئة ملتزمة ، مجتهدة ، معتمدة على نفسها في المذاكرة والمراجعة ، ولا تعتمد على المعلم والدروس الخصوصية في جو أسري وفر كل سبل الراحة ، حيث تقوم بالواجب اليومي أول بأول ، وما بتساهر و أضافت أختارت أفنان النقاب عن قناعة ورغبة ، ولها صديقات في إطار المدرسة ، وحاصلة على دبلوم حاسوب من كلية التقانة الإدارية.
و أرسلت *شذا* رسالة إلي كل أم وضعتها الظروف في موقف فقدان الزوج كوني قوية ، حازمة ، واثقة ، سيري في الطريق الصحيح ، دافعي لازم اولاودك يطلعوا ناجحين ، وربيهم التربية الصحيحة .
قواسم مشتركة ، ومعاناة ولدت الإبداع ، لأُوليفر وأفنان ، وصنوهم كثر في منطقة جبال النوبة التي تعاني من الحرب اللعينة ، وهي دعوة للبحث عن طلاب وطالبات الذين دفعتهم الظروف لترك مقاعد الدراسة للوضع الإقتصادي وتأثيراته على الوضع الإجتماعي والتعليمي ، دعوة لإقامة صندوق يدعم التعليم في كافة مراحله لمنطقة تحتاج حقا إلي رعاية الطلاب والطالبات لتنهض من حالها إلي الأحسن . ودعوة لتكريم كل أم من أمثال “شذا” التي عطرت حياة أبناءها حيوية ونشاط ونجاح وتفوق